كان البحر هائجًا، والأمواج تتلاطم بعنف على جوانب السفينة الضخمة. إينياس، المحارب الطروادي الشجاع، كان ممسكًا بدفة القيادة بكل قوة، يقاوم العاصفة بكل ما أوتي من عزم. كانت السماء ملبدة بالغيوم الداكنة، والرياح تعوي كوحش غاضب. كان صوته يرتفع فوق هدير العاصفة، وهو يعطي الأوامر للبحارة المذعورين. كان قلبه يعتصر ألمًا على شعبه، الذين فروا من طروادة المحترقة، والآن يواجهون غضب البحر. لقد كانت هذه العاصفة ليست مجرد عاصفة طبيعية؛ بل كانت غضبًا من الآلهة، وتحديدًا غضب جونو، الملكة الغاضبة التي لم تنسَ أبدًا هزيمة طروادة. تذكر إينياس كلمات الكاهنة التي أخبرته أن جونو لن تدعه يبحر بسلام، وأنها ستسعى لتدميره بكل وسيلة. كان يعلم أن عليه أن يكون قويًا من أجل شعبه، وأن يقودهم نحو مستقبل أفضل، مهما كانت الصعاب. وبينما كان يصارع الأمواج العاتية، رأى ابنه الصغير أسكانيوس يقف بجانبه، وعيناه مليئتان بالخوف والقلق. حاول إينياس أن يبتسم له، وأن يطمئنه بأن كل شيء سيكون على ما يرام، ولكنه كان يعلم في قرارة نفسه أن الرحلة ستكون طويلة وشاقة، وأنهم سيواجهون الكثير من المخاطر قبل أن يصلوا إلى وجهتهم.
وسط هدير العاصفة، ظهرت جونو، إلهة الغضب والانتقام، في السماء. كانت تقف شامخة، ترتدي رداءً أزرقًا كالليل العاصف، وشعرها يتطاير كألسنة اللهب. كانت عيناها تشتعلان بالكراهية، وهي تنظر إلى إينياس وشعبه بنظرة احتقار. رفعت يدها، وأطلقت صرخة مدوية هزت أرجاء السماء والبحر. قالت بصوت غاضب: "إينياس، أيها الطروادي الحقير، لن تفلت مني. سأجعلك تدفع ثمن جرائمك وجرائم شعبك. لن تصل إلى أرضك الجديدة، وسأجعلك تتمنى لو أنك مت في طروادة بدلاً من أن تواجه غضبي!" ثم أمرت آلهة الرياح بإطلاق العنان لقوتها على سفن إينياس، وإغراقها في أعماق البحر. استجابت آلهة الرياح لأمرها، وأرسلت رياحًا عاتية مزقت الأشرعة وحطمت الصواري. ارتفعت الأمواج كالجبال، وابتلعت السفن الصغيرة في أعماقها المظلمة. حاول إينياس أن يحافظ على توازنه، وأن يحمي ابنه من الأمواج المتلاطمة. كان يعلم أن جونو لن تتركه وشأنه، وأنه يجب عليه أن يجد طريقة للتغلب على غضبها وإنقاذ شعبه من الهلاك. فجأة، سمع صوتًا خافتًا يهمس في أذنه. كان صوتًا لطيفًا وحنونًا، يدعوه إلى الثقة والأمل. قال الصوت: "إينياس، لا تستسلم. لست وحدك. الآلهة الأخرى تراقبك، وستساعدك في وقت الحاجة. استمر في القتال، واستمر في الإيمان، وستصل إلى وجهتك في النهاية."
في لحظة يأس، رفع إينياس صوته إلى السماء، متضرعًا إلى نبتون، إله البحار، أن ينجده من غضب جونو. كان يعلم أن نبتون هو الوحيد القادر على تهدئة العاصفة وحماية سفنه من الغرق. قال بصوت يرتجف: "يا نبتون، أيها الإله العظيم، أرجوك، أنقذنا من هذا الهلاك. نحن لسنا أعداء لك، ولم نرتكب أي خطأ يستحق غضبك. نحن مجرد لاجئين نبحث عن وطن جديد، ونريد أن نعيش بسلام. أرجوك، ارحمنا، واحمِ سفننا من الأمواج العاتية والرياح الشرسة." استجاب نبتون لنداء إينياس، وظهر فجأة في قلب العاصفة. كان يرتدي تاجًا من الأصداف والمرجان، ويحمل رمحًا ثلاثيًا بيده. كانت عيناه زرقاوتين كأعماق البحر، وشعره يتدفق كالأمواج المتلاطمة. نظر نبتون إلى جونو بغضب، وقال بصوت جهوري: "جونو، كفى! لقد تجاوزتِ حدودكِ. لا يحق لكِ أن تعاقبي هؤلاء اللاجئين الأبرياء. لقد فروا من طروادة المحترقة، وهم يستحقون فرصة لبناء حياة جديدة. أنا إله البحار، وأنا من سيحمي سفنهم من غضبك." ثم رفع نبتون رمحه الثلاثي، وضرب به الأمواج. فجأة، هدأت العاصفة، وتوقفت الرياح عن الهبوب. انخفضت الأمواج، وأصبحت السماء صافية وزرقاء. ابتسم نبتون لإينياس، وقال له: "إينياس، لا تخف. سأحميك وشعبك من غضب جونو. استمر في رحلتك، وسأوجهك نحو أرضك الجديدة. ولكن تذكر دائمًا أن تكون عادلاً ورحيمًا، وأن تحترم الآلهة والقوانين الطبيعية."
بعد أيام من الإبحار، وصل إينياس وشعبه إلى شاطئ جميل، تغطيه الرمال البيضاء الناعمة، وتظلله أشجار النخيل الخضراء المورقة. كانت الشمس تشرق بسطوع، وتنشر دفئها على الأرض والبحر. كان هذا الشاطئ هو شاطئ الأمل، وهو المكان الذي وعدهم به نبتون، حيث سيجدون وطنًا جديدًا وحياة سعيدة. نزل إينياس من السفينة، وسجد على الأرض، وشكر الآلهة على إنقاذهم وهدايتهم. ثم رفع رأسه، ونظر إلى شعبه بابتسامة عريضة. قال بصوت مليء بالأمل: "أيها الشعب الطروادي، لقد وصلنا أخيرًا إلى أرضنا الجديدة. هنا سنبني مدينة عظيمة، وسنجعلها أفضل من طروادة. هنا سنعيش بسلام وسعادة، وسنعبد الآلهة ونحترم القوانين الطبيعية. هنا سنربي أطفالنا، وسنعلمهم الشجاعة والعدل والرحمة." اندفع الشعب نحو إينياس، وعانقوه بحرارة. كانت عيونهم تلمع بالدموع، ولكنها كانت دموع الفرح والأمل. بدأوا في بناء المخيمات، وإعداد الطعام، واستكشاف المنطقة المحيطة. كان كل منهم يعمل بجد ونشاط، وهم يتطلعون إلى المستقبل المشرق الذي ينتظرهم. نظر إينياس إلى ابنه أسكانيوس، ورأى في عينيه نفس الأمل والتفاؤل. وضع إينياس يده على كتف ابنه، وقال له: "أسكانيوس، تذكر دائمًا هذه اللحظة. تذكر كيف نجونا من العاصفة، وكيف وصلنا إلى هذا الشاطئ الجميل. تذكر أن الآلهة تراقبنا، وأنها ستساعدنا في تحقيق أحلامنا. كن دائمًا شجاعًا وعادلاً ورحيمًا، وستكون قائدًا عظيمًا لشعبنا." ابتسم أسكانيوس، وقال: "يا أبي، سأفعل كل ما بوسعي لأكون جديراً بثقتك. سأكون دائمًا فخورًا بأنني طروادي، وسأعمل بجد لبناء مستقبل أفضل لشعبنا."
بعد الفرار من طروادة المحترقة، يقود إينياس شعبه عبر البحار الهائجة، باحثًا عن وطن جديد. يواجه غضب الإلهة جونو، التي تحاول تدميرهم بعاصفة مدمرة. وبمساعدة نبتون، إله البحار، يصل إينياس إلى شاطئ الأمل، حيث يبدأ في بناء مدينة عظيمة ومستقبل سعيد لشعبه.